أزمة الجوع قد تؤدي إلى تغيير النظام العالمي
مجموعات كبيرة من البشر ترزح تحت خط الفقر بشكل متزايد، وهناك العديد من التحاليل حول أزمة الغذاء العالمية والتي ستصيب دولاً كثيرة بالجوع، خصوصاً الدول ذات الاقتصادات الهشة أساساً، والتي ازدادت هشاشةً بعد أعوام انتشار فيروس كورونا والآن مع نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا،
لو أخذنا التحذيرات حول أزمة الغذاء على محمل الجد، وافترضنا أن الأمر سيقع قريباً، حيث لن يجد قسم كبير من الطبقة المتوسطة والطبقات الفقيرة والطبقات المعدومة تحت خط الفقر قوت يومهم من الخبز، فما الذي قد يحدث بين هذه الشعوب وبين الدول وفي الأقاليم السياسية وفي التحالفات الدولية، وإلى أين يمكن أن تتجه الأمور في أقصاها؟
التحذيرات الصادرة عن المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الأغذية العالمية (فاو) والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والمعاهد الخاصة المتخصصة كلها تشير إلى نفس النتائج، أي تدهور ملايين البشر إلى خط الفقر، والنزوح والهجرة على نطاق واسع، وتدهور الأوضاع السياسية بين الدول، من التحالفات إلى الصراعات،
حيث ستحاول كل دولة تأمين كفايتها قبل أي شيء آخر. وقد يؤشر كل ذلك إلى انطلاق عجلة نظام عالمي جديد يعيد النظر في أولويات وطرق تأمين الغذاء العالمي والطاقة بأسعار تخفف من بؤر الفقر.
واعتبر مسؤولون أوروبيون خلال الأسبوع الحالي أن عرقلة تصدير الحبوب من أوكرانيا بمثابة “جريمة حرب”. واعتبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الاثنين 20 يونيو 2022، أن روسيا يجب أن “تحاسب” إذا واصلت عرقلة تصدير الحبوب الأوكرانية إلى العالم لأنها ترتكب “جريمة حرب”.
وقال في لوكسمبورغ في مستهل اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، “لا يستطيع المرء أن يتخيل أن ملايين الأطنان من القمح عالقة في أوكرانيا، بينما يعاني الناس في باقي أنحاء العالم من الجوع. هذه جريمة حرب حقيقية”، بينما علق الرئيس الروسي فلادمير بوتين بالقول، “لسنا من قام بتلغيم الموانئ”
تحذيرات “الفاو” والبنك الدولي
التحذيرات الموجهة إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة وإلى حكومات الدول عموماً، والدول المعنية والفقيرة خصوصاً، تبدو جادة وتتطلب الإسراع باتخاذ مجموعة من القرارات والتدابير العملية المهمة للتخفيف من وقع الأزمة.
وقال المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) شو دونيو، إن “المنظمة تشعر بقلق عميق إزاء الآثار المجتمعة المترتبة على الأزمات المتداخلة التي تهدد قدرة الناس على إنتاج الأغذية والحصول عليها، مما يدفع بالملايين إلى مستويات قصوى من انعدام الأمن الغذائي الحاد”.
ووافقه الدكتور بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، حين اعتبر أننا نواجه “عاصفة مكتملة الأركان لن يقتصر ضررها على أفقر الفئات فحسب، بل سيتسع نطاق ضررها ليصيب ملايين الأسر، لأن الظروف أسوأ بكثير مما كانت عليه خلال فترة الربيع العربي في 2011 وأزمة أسعار الغذاء خلال عامي 2007-2008، عندما هزت الاضطرابات السياسية وأعمال الشغب 48 بلداً. لقد رأينا بالفعل ما يحدث في إندونيسيا وباكستان وبيرو وسريلانكا – وهذا مجرد غيض من فيض المتوقع”.
أما رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس فقد شرح الأمر بالقول إن “الحرب الدائرة في أوكرانيا وحالات الإغلاق في الصين، وما تشهده سلاسل الإمداد من اضطرابات، ومخاطر الركود التضخمي، توجه ضربات شديدة إلى النمو العالمي، لذا ثمة حاجة إلى إجراء تغييرات في السياسات المالية والنقدية والمناخية وسياسة الديون، وذلك لمجابهة سوء تخصيص رأس المال وعدم المساواة”.
ومن جهة أخرى، أعلن السيد ريان أندرسون، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق أفريقيا، أنه “نظراً إلى لموارد المحدودة، يتعين علينا إعطاء الأولوية للفئات الأشد ضعفاً، أي الاختيار بين الجائعين والأشد جوعاً، وقد توقفت بلدان عدة تماماً عن أنشطة الوقاية من سوء التغذية الحاد، واضطرت إلى إعطاء الأولوية لعلاج سوء التغذية الحاد”.
لكن من ناحية ثانية، هناك الإيجابيون في تناول هذه الأزمة، إذ إنه بسبب الجوع بات بالإمكان الاعتماد على أنواع جديدة من الأطعمة ذات قيمة غذائية أعلى من القمح أو من الأرز اللذان يعتمد عليهما أغلب شعوب العالم في التغذية الأولية،
فقد نشر موقع المنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس) قائمةً بسبعة أغذية غير معهودة، يمكن للإنسان أن يعتمد عليها بحلول عام 2050 استناداً إلى ضرورة تغيير العادات الغذائية للشعوب لمواجهة أي خطر محتمل،
حيث أن 90 في المئة من السعرات الحرارية المستهلكة عبر العالم تعود إلى 15 نوعاً من المحاصيل فقط، ومن أشهرها الحبوب والأرز والذرة. واعتمد الموقع في قائمته على ما نشره علماء من الحدائق النباتية الملكية، وهي هيئة عامة بريطانية متخصصة في البحث الزراعي.
التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية
رأى هذا التقرير الذي صدر في 4 مايو 2022 أن عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة منقذة للحياة وإلى دعم سبل العيش، في ازدياد بمعدل ينذر بالخطر.
وفي التقرير السنوي الذي نشرته الشبكة العالمية لمكافحة أزمات الغذاء ((GNAFC، وهي تحالف دولي للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والوكالات الحكومية وغير الحكومية التي تعمل معاً لمعالجة أزمات الغذاء، بأن نحو 193 مليون شخص في 53 دولة أو إقليم قد عانوا من انعدام الأمن الغذائي الحاد في أوقات الأزمات أو مستويات أسوأ في عام 2021،
وهذا يمثل زيادة بنحو 40 مليون شخص مقارنةً بأرقام عام 2020 القياسية بالفعل. من بين هؤلاء، تم تصنيف أكثر من نصف مليون شخص في إثيوبيا وجنوب مدغشقر وجنوب السودان واليمن. واتسعت دائرة الدول التي قد تقع إلى هاوية فقدان الأمن الغذائي في عام 2022.
وبرأي المنظمة أن الصراعات هي المحرك الرئيس لانعدام الأمن الغذائي، وأن البلدان التي تتعامل بالفعل مع مستويات عالية من الجوع الحاد معرضة بشكل خاص للمخاطر التي أوجدتها الحرب في أوروبا الشرقية.